كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نَجِيْح عن مجاهد، نحوه.
وروى الطبري بإسناد صحيح عن ابن عباس أن حاكم اليهود يومئذ كان أبا برزة الأسلمي قبل أن يسلم ويصحب.
وروي بإسناد آخر صحيح إلى مجاهد؛ أنه كعب بن الأشرف. انتهى.
وقال ابن كثير: ذكر سبب آخر غريب جدًا، قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس ابن عبد الأعلى قراءة، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فقضى بينهما، فقال المقضي عليه: ردنا إلى عُمَر بن الخطاب، فقال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: نعم انطلقا إليه، فلما أتيا إليه، فقال الرجل يا ابن الخطاب! قضى لي رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم على هذا، فقال: ردنا إلى عُمَر بن الخطاب فرددنا إليك، فقال: أكذاك؟ قال: نعم: فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما، فخرج إليه مشتملًا على سيفه فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر، فقتله، وأدبر الآخر، فأتى إلى رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فقال: يا رسول! قتل عمر، والله! صاحبي، ولولا أني أعجزته لقتلني.
فقال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن»، فأنزل الله: {فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ} الآية فهدر دم ذلك الرجل وبرئ عمر من قتله، فكره الله أن يسن ذلك بعد، فأنزل: {لَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} الآية وكذا رواه ابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود به، وهو أثر غريب مرسل، وابن لهيعة ضعيف، والله أعلم.
طريق أخرى: قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم في [تفسيره]: حدثنا شعيب بن شعيب، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عُتْبَةُ بن حمزة، حدثني أبي، أن رجلين اختصما إلى النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فقضى للمحق على المبطل، فقال المقضي عليه: لا أرضى، فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى أبي بكر الصديق، فذهبا إليه، فقال الذي قضى له: قد اختصمنا إلى النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فقضى لي، فقال أبو بكر: أنتما على ما قضى به رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، فأبى صاحبه أن يرضى، فقال: نأتي عُمَر بن الخطاب، فقال المقضي له: قد اختصمنا إلى النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فقضى لي عليه، فأبى أن يرضى، فسأله عُمَر بن الخطاب، فقال كذلك فدخل عمر منزله وخرج والسيف في يده سله، فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى، فقتله، فأنزل الله: {فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ} الآية. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في [الفتح]: روى الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الأشرف، فذكر القصة، وفيه أن عمر قتل المنافق وأن ذلك سبب نزول هذه الآيات وتسمية عمر الفاروق، وهذا الإسناد، وإن كان ضعيفًا، لكن تقوى بطريق مجاهد، ولا يضره الاختلاف، لإمكان التعدد.
وأفاد الواحدي بإسناد صحيح عن سعيد عن قتادة أن اسم الأنصاري المذكور قيس، ورجح الطبري في [تفسيره] وعزاه إلى أهل التأويل في [تهذيبه] أن سبب نزولها هذه القصة، ليتسق نظام الآيات كلها في سبب واحد، قال: ولم يعرض بينها ما يقتضي خلاف ذلك.
ثم قال: ولا مانع أن تكون قصة الزبير وخصمه وقعت في أثناء ذلك فيتناولها عموم الآية، والله أعلم. انتهى.
قال الرازيّ: اعلم أن قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ} قسمٌ من الله تعالى على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفة الإيمان إلا عند حصول شرائط:
أولها: قوله تعالى: {حَتّىَ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} وهذا يدل على أن من لم يرض بحكم الرسول لا يكون مؤمنًا.
الشرط الثاني: قوله: {ثُمّ لاَ يجدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مّمّا قَضَيْتَ} واعلم أن الراضي بحكم الرسول عليه الصلاة والسلام قد يكون راضيًا في الظاهر دون القلب، فبين، في هذه الآية، أنه لابد من حصول الرضا به في القلب، واعلم أن ميل القلب ونفرته شيء خارج عن وسع البشر، فليس المراد من الآية ذلك بل المراد منه أن يحصل الجزم واليقين في القلب بأن الذي يحكم به الرسول هو الحق والصدق.
الشرط الثالث: قوله: {وَيُسَلمواْ تَسْلِيمًا} واعلم أن من عرف بقلبه كون ذلك الحكم حقًا وصدقًا، قد يتمرد عن قبوله على سبيل العناد أو يتوقف في ذلك القبول، فبين تعالى أنه، كما لابد في الإيمان من حصول ذلك اليقين في القلب، فلابد أيضًا من التسليم معه في الظاهر، فقوله: {ثُمّ لاَ يجدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مّمّا قَضَيْتَ} المراد به الانقياد في الباطن، وقوله: {وَيُسَلمواْ تَسْلِيمًا} المراد منه الانقياد في الظاهر، والله أعلم.
الثالث: قال الرازيّ: ظاهر الآية يدل على أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس، لأنه لا يدل على أنه يجب متابعة قوله وحكمه على الإطلاق، وأنه لا يجوز العدول منه إلى غيره، ومثل هذه المبالغة المذكورة في هذه الآية قلما يوجد في شيء من التكاليف، وذلك يوجب تقديم عموم القرآن والخبر على حكم القياس، وقوله: {ثُمّ لاَ يجدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مّمّا قَضَيْتَ} مشعر بذلك، لأنه متى خطر بباله قياس يفضي إلى نقيض مدلول النص، فهناك يحصل الحرج في النفس، فبين تعالى أنه لا يكمل إيمانه، إلا بعد أن لا يلتفت إلى ذلك الحرج، ويسلم النص تسليمًا كليًا، وهذا الكلام قوي حسن لمن أنصف.
الرابع: (لا) في قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبّكَ} قيل إنها ردٌّ لمقدر، أي: تفيد نفي أمر سبق، والتقدير: ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك، ثم استأنف القسم بقوله: {وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّىَ يُحَكّمُوكَ} وقيل: مزيدة لتأكيد النفي الذي جاء فيما بعد أعني الجواب، لأنه إذا ذكر في أول الكلام وفي آخره كان أوكد وأحسن، وقيل: إنها مزيدة لتأكيد معنى القسم، وارتضاه الزمخشريّ، قال كما زيدت في: {لِئَلّا يَعْلم} [الحديد: من الآية 29] لتأكيد وجوب العلم، قال في [الانتصاف] يشير إلى أن (لا) لما زيدت مع القسم، وإن لم يكن المقسم به، دَلَّ ذلك على أنها إنما تدخل فيه لتأكيد القسم، فإذا دخلت حيث يكون المقسم عليه نفيًا، تعين جعلها لتأكيد القسم، طردًا للباب، أو الظاهر عنده، والله أعلم، أنها هنا لتوطئة النفي المقسم عليه، والزمخشريّ لم يذكر مانعًا من ذلك، وحاصل ما ذكره مجيئها لغير هذا المعنى في الإثبات، وذلك لا يأبى مجيئها في النفي على الوجه الآخر من التوطئة، على أن في دخولها على القسم المثبت نظرًا، وذلك أنها لم ترد في الكتاب العزيز إلا مع القسم حيث يكون بالفعل، مثل: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 1]: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة: 1]: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنّسِ} [التكوير: 15]: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ} [الواقعة: 75]: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ} [الحاقة: 38- 39]، ولم تدخل أيضًا إلا على القسم بغير الله تعالى، ولذلك شرٌّ يأبى كونها في هذه الآية لتأكيد القسم، ويعين كونها للتوطئة: وذلك أن المراد بها في جميع الآيات التي عددناها تأكيد تعظيم المقسم به، إذ لا يقسم بالشيء إلا إعظامًا له، فكأنه بدخولها يقول: إن إعظامي لهذه الأشياء بالقسم بها، كلا إعظام، يعني أنها تستوجب من التعظيم فوق ذلك، وهذا التأكيد إنما يؤتى به رفعًا لتوهم كون هذه الأشياء غير مستحقة للتعظيم، وللإقسام بها، فيزاح هذا الوهم بالتأكيد، في إبراز فعل القسم مؤكدًا بالنفي المذكور، وقد قرر الزمخشريّ هذا المعنى في دخول (لا) عند قوله: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} على وجه مجمل، هذا بسطه وإيضاحه، فإذا بين ذلك، فهذا الوهم الذي يراد إزاحته في القسم بغير الله، مندفع في الإقسام بالله، فلا يحتاج إلى دخول (لا) مؤكدة للقسم، فيتعين حملها على الموطئة، ولا تكاد تجدها، في غير الكتاب العزيز، داخلة على قسم مثبت، وأما دخولها في القسم، وجوابه نفي، فكثير مثل:
فَلاَ وأَبِيكِ ابْنَةَ الْعَامِرِيّ ** لاَ يَدَّعِي الْقَوْمُ أَنَّي أَفرّئ

وكقوله:
أَلاَ نَادَتْ أُمَامةُ باحتمالٍ ** لِتَحْزنَنِي، قَلاَ بِكِ مَا أُبَالِي

وقوله:
رأَىَ بَرْقًا فَأَوضع فوق بَكْرٍ ** فَلاَ بِكِ مَا أَساَل وَلا أغاما

وقوله:
فَخَالِفْ فَلاَ واللهِ تَهْبِطُ تَلْعَةً ** من الأرض إلاَّ أنت للذلِّ عَارفٌ

وهو أكثر من أن يحصى، فتأمل هذا الفصل فإنه حقيق بالتأمل. انتهى.
الخامس: أعلم أن كل حديث صح عن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، بأن رواه جامعو الصحاح، أو صححه من يرجع إليه في التصحيح من أئمة الحديث، فهو مما تشمله هذه الآية، أعني قوله تعالى: {مّمّا قَضَيْتَ} فحينئذ يتعين على كل مؤمن بالله ورسوله الأخذ به وقبوله ظاهرًا وباطنًا، وإلا بأن التمس مخارج لرده أو تأويله، بخلاف ظاهره، لتمذهب تقلَّده وعصبية رُبِيَ عليها، كما هو شأن المقلدة أعداء الحديث وأهله- فيدخل في هذا الوعيد الشديد المذكور في هذه الآية، الذي تقشعر له الجلود وترجف منه الأفئدة.
قال الإمام الشافعيّ في الرسالة التي أرسلها إلى عبد الرحمن بن مهدي: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه قال: أرسله عُمَر بن الخطاب رَضِي اللّهُ عَنْهُ إلى شيخ من زهرة كان يسكن دارنا، فذهبت معه إلى عمر، فسأل عن وليدة من ولائد الجاهلية، فقال: أما الفراش فلفلان، وأما النطفة فلفلان، فقال: صدقت، ولكن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قضى بالفراش.
قال الشافعيّ: وأخبرني من لا أتهم عن ابن أبي ذئب قال: أخبرني مخلد بن خفاف قال: ابتعت غلامًا فاستغللته، ثم ظهرتُ منه على عيب فخاصمت فيه إلى عُمَر بن عبد العزيز، فقضى لي برده، وقضى عليّ برد غلته، فأتيت عروة فأخبرته فقال: أروح إليه العشية فأخبره أن عائشة أخبرتني أن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قضى في مثل هذا، أن الخراج بالضمان، فعجلت إلى عمر فأخبرته بما أخبرني به عروة عن عائشة عن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، فقال عُمَر بن عبد العزيز: فما أيسر عليّ من قضاء قضيتُه، والله يعلم أني لم أرد فيه إلا الحق- فبلغتني فيه سنة عن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، فأرد قضاء عمر وأنفذ سنة رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، فراح إليه عروة فقضى لي أن آخذ الخراج الذي قضى به عليّ له.
قال الشافعيّ: وأخبرني من لا أتهم من أهل المدينة عن ابن أبي ذئب قال: قضى سعيد بن إبراهيم على رجل، بقضية، برأي ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فأخبرته عن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بخلاف ما قضى به، فقال سعد لربيعة: هذا ابن أبي ذئب، وهو عندي ثقة، يخبرني عن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بخلاف ما قضيت به، فقال له ربيعة: قد اجتهدت ومضى حكمك، فقال سعد: واعجبًا، أنفذ قضاء سعد بن أم سعد وأردّ قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم! بل أرد قضاء سعد بن أم سعد بن أم سعد وأنفذ قضاء رسول لله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، فدعى سعد بكتاب القضية فشقه، فقضى للمقضي عليه.
قال الشافعيّ: أخبرنا أبو حنيفة بن سِمَاك بن الفضل الشهابي، قال: حدثني ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي شريح الكعبي أن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال عام الفتح: «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود».
قال أبو حنيفة: فقلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا، يا أبا الحارث؟ فضرب صدري وصاح عليّ صياحًا كثيرًا، ونال مني وقال: أحدثك عن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم وتقول أتأخذ به؟ نعم، آخذ به، وذلك القرض عليّ وعلى من سمعه، إن الله تبارك وتعالى اختار محمدًا صَلّى اللهُ عليّه وسلّم من الناس فهداهم به وعلى يديه، واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين داخرين، لا مخرج لمسلم من ذلك.
وما سكت حتى تمنيت أن يسكت. انتهى.
قال الإمام الفُلاني في إيقاظ الهمم بعد نقل ما مرّ: تأمل فعل عُمَر بن الخطاب وفعل عُمَر بن عبد العزيز وفعل سعد بن إبراهيم، يظهر لك أن المعروف عند الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعند سائر العلماء المسلمين، أن حكم الحاكم المجتهد، إذا خالف نص كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، وجب نقضه ومنع نفوذه، ولا يعارض نص الكتاب والسنة بالاحتمالات العقلية والخيالات النفسانية والعصبية الشيطانية، بأن يقال: لعل هذا المجتهد قد اطلع على هذا النص وتركه لعلة ظهرت له، أو أنه اطلع على دليل آخر، ونحو هذا، مما لهج به فرق الفقهاء المتعصبين، وأطبق عليه جهلة المقلدين فافهم. انتهى.